رواية الضحيه الفصل السادس حاول جاسر مرة أخرى فتح الباب وكأن عقله ينكر أنها فعلت هذا، اشتعلت نيران بصدره ظهر لهيبها بين أهدابه وهو ينظر للباب فقد كان ينتظر أن تتعرف على شخصيته ، لم يكن خائفا من أن تفعل على العكس تماماً بل وصل به الأمر لتمنى تعرفها عليه لينهى كل هذا الأمر كما يريد وسيحرص أن يحتفظ بها للأبد.
لم يكن هناك ما يمكن أن يحول بينه وبينها حتى ذلك الباب المغلق، أخرج هاتفه وعاد ينظر لها ليشعر أنها تنتظره بالفعل ، تحرك بهدوء ليدخل الغرفة المجاورة لغرفتها .
بينما داخل غرفة نارا انتفضت جالسة بمجرد شعورها بمحاولته لفتح الباب وقد نست تماماً أمر تلك الكاميرا التى يراها عبرها كان قلبها ينتفض فزعا كأنه يلفظ دقاته ليتهرب من هذه المواجهة.
شعرت بخطواته تبتعد ليرتفع كفها وكأنها تربت فوق قلبها الفزع ولم يطل شعورها بالراحة ليعلن صدرها عن المزيد من الفزع بشهقة مؤلمة وهى تسمع صوت قفزته لشرفتها.
قفزت تغادر الفراش لتقف فى الجانب الأقرب للباب بينما دخل هو ليقف أمامها متخصرا وقد رفعت شفتيه ابتسامة شيطانية
تابع تقدمه ليجلس بطرف فراشها قبل أن يسترخى فوقه وكأنه يتحرك فى ملكية تخصه وحده
_ واقفة كده ليه ؟ قربى
هزت رأسها نفيا ليتنهد براحة وكأن هذا الرفض لا يعنيه
_ عرفتيني من امته؟
ظلت تتطلع إليه بأعين متسعة ليزفر بضيق
_ وبعدين بقا قولت قربى
انتفضت مع صرخته لتفر دمعة تعبر عن الفزع الذى يتملك منها ، تبحث عن صوتها فى جوانب حلقها التى جفت فلم تعثر على أثره لتغلق فمها مرة أخرى.
نهض ودار حول فراشها وهى متحجرة الأطراف ليقف خلفها يدسها بين ذراعيه ليتمكن الفزع من نفضها لتهمس
_ ليه بتعمل فيا كده ؟
_ قولتى لحد انك عرفتيني ؟
هزت رأسها نفيا فوراً وكأنها تخشى أن يسمع همس نفسها وعادت تتساءل ليزيد من ضمها لصدره
_ انت اللى بدأتى يا نارا، انا حبيتك من يوم ما دخلت البيت ده، ولما فضلتى عليا قاهر كسرتى قلبى فضلتيه عليا واخترتيه وكأنى مش موجود، خلتينى اكره صاحب عمرى وانت شايفه عايش مع البنت اللى بعشقها وياريته حتى كان عارف يصونك، وبعدين يتقتل بسببك وانت ترجعى تعيشى مع اللى قتله وكأنه مالوش سعر عندك يبقى كان لازم تدفعى تمن كل اللى حصل، أنت لو شوفتى حبى من الأول ماكنش كل ده حصل، انا كنت هكتفى بحبك ومش عاوز ولاد، كنت هرضا بيك زى ما انت ماكنتش هفكر فى غيرك أبدا، قاهر لما فكر يتجوز عليك اخوك قتله وابوك غطا على جريمته كالعادة، قاهر مات وانا قلبى انكسر وانت عاوزة تعيشى من غير ما اخد حقى وحقه؟ انت حقى اللى مش هتنازل عنه تانى وممكن اسامح بس لو قبلتى تبقى مراتى، انا بحبك اوى ومابقتش قادر اسرقك، عاوز اشوف صورتى فى عينيك، كل ليلة كنت بقولك انك تستحقى اللى بعمله فيك بس علشان افكر نفسى انى بنتقم منك وأن قلبى مش لازم يفرح بقربى منك لانك رفضاه.
كانت تستمع لما يقول وعينيها تجود بنفيس الأدمع حزنا وقهرا من تلاعب الحياة بها، لقد عشقت قاهر ولم يكن لها ذنب فى عقمها، لم تتوقع أن تكون رغبته في الإنجاب أكبر من حبه لها، ولم تتوقع أن يقتله سياف لهذا السبب.
لقد عاشت عمرها كله بين الأوهام بداية من عشق قاهر وحتى هذه اللحظة، لقد عاشت عمرها بين مجموعة من المختلين نفسياً والمشوهين روحياً، عن أي عشق يتحدث هذا المختل الذى يحتجز بدنها بقوة ذراعه قهراً ؟
بأي عشق تترنم كلماته وقد حطم ما بقى من نقاء روحها ودنس ما وصل إليه منها؟
افاقت من شرودها على ضغطة قوية من ذراعه جعلتها تبدو كجزء منه ليرتجف بدنها مع فحيح الصوت الذى طالما أرق نومها
_ قولتى إيه ؟ انا فى خطوة واحدة ممكن ادوس ابوك واخوك واعمل لك فضيحة ماتتمحيش العمر كله، اصل انا تربية أدهم الزناتى وأحق واحد بكل اللى عنده وانت بتفكرى اعرفى انك فى كل الأحوال هتبقى معايا برضاك أو غصب عنك ، حلال أو حرام، عشق أو اغتصاب انت بس هتختارى تبقى معايا ازاى لانك مش عارفة انت وصلتينى لفين.
وصلت دموعها لذراعه الذى يقيد حركتها إلى بدنه، طالما كانت دموعها مثيرة برأيه ككل جزء منها، هى فى نظره مثيرة حتى بأسوأ حالاتها.
_ جاسر أرجوك
اغمض عينيه متمسكا بثورة مشاعره للفظها إسمه بهذا الكم من الرجاء كما حلم كثيراً، انضم ذراعه الآخر يثبت مدى لهفته التى تتصاعد وتيرتها بسرعة مخيفة لها
_ انا مستعد اعمل أي حاجة فى الدنيا بس تقولى الجملة دى وانت عينك فى عينى.
دفعها لتدور حول نفسها قبل أن يحيط كفيه وجهها بنفس اللهفة، اجهش صدرها ألما لم يعره اهتماماً وهو يحثها بعينيه لتكن كلماتها شهقة من البكاء
_ جاسر أرجوك
عاد يدسها بين أضلعه ممتصا انتفاضات لا يهتم بسببها فى الواقع هو فقط يسعى خلف هذه المتعة التى تتملك من نفسه
حاولت أن تدفعه عنها أو تتحرر من سطوته وتملكه بأنهزام نفسى فهى تتعرض لكل هذا الانتهاك بالمكان الذي وعدها أبيها بالأمان فيه وأعادها إليه زاعما تأمين حياتها. هذا المختل نفسه يتهمها يدفعه لهذا الإعتداء ليبرره لنفسه، لقد وصل به الجنون لتبرير الفواحش بإسم الحب الذى يتنزه عن كل فاحشة ويبرأ من كل خطيئة، وصل به الانحدار أن يبرر لنفسه اعتداءه عليها أولا ثم يقدم لها عرضا للزواج غلفه بالتهديد
زاد إحساسها بالقهر فقد كذب جاسر كما توقعت هو يدفعها لما يغذى متعته الخاصة ولن يقدم على أي ترضية لها إلا إن كانت في صالح متعته.
دفعها للخلف وهو يتبع جنونه وهوسه
_ عاوز احس انك معايا بجد، عاوز اشوف عنيك وانت فى حضنى، عاوز اعوض كل اللى فات منك ومنى
وكأنها تملك خيارا بالرفض!
لقد كانت محاولة فرارها منه فاشلة بكل المقاييس ، وكانت فكرة مواجهتها له حمقاء لأقصى درجة فها هو يعيد عليها إذلال تخطى ما شعرت به لسنة كاملة وهى رافضة لما تتعرض له فتكن تلك الليلة هى الأسوأ في حياتها بالفعل وهى راضخة بالقهر مقيدة بالخوف ومنتهكة بوعى كامل.
بزغ من بين الظلمات يوم جديد يشق طريقه إلى الدنيا، لقد قامت بكل ما طلبه منها أو أمرها به، تنظر إلى نفسها بمزيد من الاحتقار وهو يبتعد عنها ليتسطح بفراشها مسترخيا يلتقط جنون أنفاسه
_ انا لازم أخرج ابوك زمانه راجع
_ هو مش هنا؟
_ لا عند هلا
_ هلا مين؟
_ مراته
مزيد من الصفعات التى توجهها لها الحياة، لم تكن لتغضب يوماً لزواج أبيها لكن لما يخفى الأمر عنها؟
يتركها تحت هذا القهر ويقضى ليلته خارجاً وكأنها لا تعنى له شيئاً ؟
لم يكن دسه للكاميرا بغرفتها علاقة بمخاوفه عليها بل لرغبته فى التحرر من قيد وجودها معه. لكن لما أصر عليها أن تعود لمنزله ؟
نظرت إلى جاسر وعينيها تفيض بكرهها له مستغلة انشغاله بارتداء ملابسه فهذا الكائن الذي يستعمر حياتها هو صنيعة أبيها .
اقترب بلا تردد يلتقط أنفاسها مرة أخرى قبل أن يحيط ملامحها بعينيه وهى تحاول أن تتأكد من السعادة المؤكدة لجنونه و التى تخيم فوق ملامحه
_ انا كده عرفت قرارك، حسيته وانت في حضنى ومن اللحظة دى هتعرفى يعنى إيه أمان وانت معايا، هدخلك دنيا تانية خالص غير دنيتك، رضاك بيا هو أول خطوة فى طريق سعادتك .
ابتعد عنها ليفتح الباب ويغادر فتنظر فى أثره
جميعهم كاذبون.
أبيها ، اخيها، قاهر وجاسر
جميعهم صور مختلفة لنفس واحدة
أدهم الزناتى
صور متباينة الخطورة والاختلال لشخص واحد يمكنه أن يبرر لنفسه ما تشتهى وإن عارض كل أسس المنطق .
لقد برر جاسر لنفسه انتهاك جسدها لسنة كاملة تحت دعوى الحب أولا ثم الانتقام لصديقه والذى تناساه تماماً بمجرد أن تظاهرت بتقبله وغرق فى مشاعره المريضة والتى يظنها مغلفة بالعشق وهى درب من الجنون.
نهضت عن الفراش لتتجه نحو الحمام كما تركها تماماً، وقفت أسفل انهمار المياة رغم أنها لا تصدق أن الماء قد يطهر ما دنسه منها.
…………
جلس جاسر فى نفس المكان الذى إعتاد قرب بابها لكن داخله اختلف بشكل كامل عن نفسه منذ ساعات خلت، تعجب نفسه وما ترفرف به من سعادة وقد كان يتوعد لها طيلة اليوم.
هل كان رضاها غاليا لهذه الدرجة؟
هو لا يريد أن يفارق تلك المتعة التى حصلها وهى معه بكامل وعيها ، سينحى كل المشاعر جانبا ويكتفى بما وصل إليه.
ماذا عن انتقامه لموت قاهر؟
صديق عمره ورفيق حياته؟
سيؤجل الأمر فقط وانتقامه لن تكون طرفا فيه، لقد حاول قتله سياف وسيعمل على أن يلحق به قريباً لكن حين يتأكد أنها أصبحت له للأبد فهو فى النهاية يرى أن كلا من قاهر وسياف يستحق الموت.
ارتفعت عينيه لباب غرفتها يتمنى أن يعبره للداخل مجدداً فهو لم يكتف منها ولا يظن أنه سيفعل فى وقت قريب.
وصل عمار وكان طارق لايزال نائما ليطلب منه أن يأخذ مكانه حتى يعود من منزله وقبل أن يغادر أرسل لها رسالة يخبرها بمغادرته .
………..
عادت للغرفة وقد شعرت ببعض الهدوء النسبى رغم أنها تغلى داخلياً، تفقدت هاتفها لتجد رسالته فتزداد دهشتها، ما باله يتصرف وكأنهما زوجين بالفعل؟
لكنها فرصة للتحرر من سطوة قربه وهى لن تفوتها فما حدث كافيا بوضعها على حافة الهاوية.
سحبت الحاسوب واتجهت للشرفة واسرعت تكتب رسالة ليامن وبالطبع لم يصلها إجابة فسارعت بالاتصال به.
كررت اتصالها عدة مرات وعينيها متعلقة بخيوط ذهبية تطل من بين الأفق حتى جاءها صوته الناعس
_ فى إيه يا نارا؟
_ انا عارفة انى جبانة، كان المفروض اقاومه لو حتى هيقتلنى لكن أنا خوفت منه، والمفروض دلوقتى أموت نفسى بس انا خايفة من الموت
_ انا مش فاهم حاجة، هو مين؟
_ انا قفلت الباب زى ما قولت لى دخل من البلكونة، كنت معاه الليلة بوعى، قرفانة منه بس مش قادرة اقول لا، قرفانة من نفسى بس مش عارفة اخد لها حقها.
_ طيب أهدى بس من فضلك لحظة
صمتت وهى تواجه صمتا مماثلاً على الطرف الآخر حتى عاد صوته وهى ترى أبيها يدخل لحديقة المنزل فتتوارى بأحد الأركان بعيدا عن ناظريه
_ نارا أنا لازم أشوفك النهاردة
_ مستحيل، هو فاكر دلوقتى انى قابلة العلاقة بنا ومستعدة اتجوزه وانا لو اقدر اقتله مش هتأخر
_ لا قتل إيه بس! أهم حاجة عندى دلوقتى تتخلصى من اعتداء جاسر عليك، مش المفروض أنه هيتجوزك حسب ما خياله صور له؟
_ ايوه
_ يبقى ارفضى بحجة لما نتجوز ، حاولى تماطليه وابعدى من عقلك تماماً فكرة القتل أو الموت انت هتخرجى من كل ده ماتخافيش
نهدة متألمة أخبرته أنها لا تصدق هذا الوعد الذى نطق به وهى بالفعل محقة فى ذلك فلا مفر لها من براثن هؤلاء المختلين وهو بالفعل لا يجد لها نجاة رغم أنه سيبذل حياته لينقذ حياتها كما ضحى بساق من قبل يمكنه أن يضحى من جديد، لن يتخلى عنها.
………….
حرص على العودة سريعا وبالفعل وصل أمام غرفتها مرة أخرى ليرسل لها رسالة جديدة، رأى سياف يغادر غرفته ليستوقفه وقد عزم على حسم الأمر لصالحه
_ سياف عاوز اتكلم معاك فى موضوع
_ خير يا جاسر بسرعة دماغى هيطير من الصداع
_ خفف خمرة شوية انت بتأذى روحك
_ لما انت تقول كده ابويا يقول إيه ؟
_ سياف انت بتضعف وكده فى أي مهمة ممكن تقع مننا
_ اوف يا جاسر انا مصدع يا اخى قول عاوز ايه وخلصنا
_ انا عاوز اتجوز نارا أختك
احتقن وجه سياف وكأنه يعانى من اختناق شديد وعينيه مسلطة بقوة على ملامح جاسر الذى يحسن التحكم في انفعالاته وكأنه يتحدى سياف أن يرفض فيقدم له سببا جديداً لقتله.
اترك رد